كتب السيرة الذاتية والمذكرات تعتبر من أمتع الأنواع الأدبية التي تمنح القارئ فرصة التعرف على تجارب حياة الأفراد، سواء كانوا شخصيات عامة أو أدباء أو حتى أشخاص عاديين خاضوا تجارب استثنائية. من خلال هذه الكتب، يمكن للقارئ أن يستلهم الحكمة والتجارب، ويستكشف مشاعر وأفكار المؤلفين بطريقة مباشرة وشخصية.
كتب السيرة الذاتية والمذكرات
رسائل الى ميلينا
“في واقع الأمر ما الرسائل إلا تواصل مع الأشباح. ولم يكن هذا التواصل مع شبح المخاطب فقط على الاطلاق، بل إنما يتعدى ذلك ليكون مع شبح الشخص ذاته، والذي يتطور سرّاً داخل الرسالة التي يكتبها ذلك الشخص”..
هكذا يكشف كافكا في رسائله عن صوت أكثر ذاتية ونقاوة وألماً من أعماله الباقية، إذ لم يكشف في أي من أعماله الأخرى عن نفسه مثلما فعل في رسائله إلى ميلينا والتي بدأت كرسائل عمل ثم تطورت إلى رسائل حب. يبدو هنا كافكا متخلياً عن صرامته الفنية وقوانين كتاباته الكابوسية لصالح بث هواجسه الإنسانية العميقة والمؤثرة من خوف وأمل وبعد وقطيعة وحرمان وأحلام، الرسائل هي الطوق الذي استنجد به الكاتب ليعالج صراعاته واضطراب شخصيته الهشة. إنها نشيد عذاب إنساني غير مفلتر يهدر بنشيج الروح المعذبة للحبيبة بعيداً عن صالونات الأدب وصرامة قوانين النقد وأقلام المراجعين. وقد تكون خير نافذة لعشاق الكاتب ممن يحب التعرّف على “كواليس” حياة الكاتب والحديقة الداخلية لتفكيره
رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر(سيرة غير ذاتية غير موضوعية)
من كتب السيرة الذاتية والمذكرات أصدرت دار الشروق طبعة جديدة من السيرة الممتعة للمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري. يرصد تحولاته الفردية في الفكر والمنهج ويؤرخ، فى الوقت نفسه، لجيل بأكمله، أو لقطاع منه. فتحولات صاحب هذه السيرة ليست بأى حال منبتة الصلة بما كان يحدث حوله. ومن هذا المنظور، تصبح أحداث حياة المؤلف لا أهمية لها فى حد ذاتها، وإنما تكمن أهميتها فى مدى ما تلقيه من ضوء على تطوره الفكرى. وقد فهم المؤلف كثيرًا من أحداث حياته الخاصة (الذاتية) من خلال نفس الموضوعات الأساسية الكامنة والمقولات التحليلية التى استخدمها فى دراساته وأبحاثه (الموضوعية)، وليس العكس.ولكن هذه الرحلة الفكرية، مع هذا، هى رحلة المؤلف الفردية، فهو الذى تفاعل مع ما حوله من تجارب منذ أن وُلد فى دمنهور ونشأ فيها إلى أن انتقل إلى الإسكندرية ومنها إلى نيويورك ثم أخيرًا إلى القاهرة حيث استقر به المقام. فإذا كانت هذه الرحلة الفكرية، سيرة غير ذاتية، فهى أيضًا سيرة غير موضوعية، سيرة إنسان يلتقي فى فضاء حياته الخاص بالعام، ولهذا فهو لا يذكر القضايا الفكرية المجردة وحسب، وإنما يشفعها دائمًا بأحداث من حياته أو اقتباسات من كتاباته تبين كيف ترجمت القضية الفكرية (العامة) نفسها إلى أحداث ووقائع محددة فى حياته الشخصية (الخاصة) وذلك بأسلوب المؤلف السلس والعميق والساخر. وهذه الطبعة الجديدة تتميز بعض الإضافات وأهمهما ملحق صور كبير يتناول رحلة المؤلف ومحطات حياته المختلفة.
أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية
تمزج رضوى عاشور في هذه المقاطع من سيرتها الذاتية بين مشاهد من الثورة وتجربتها في مواجهة المرض طوال السنوات الثلاث الأخيرة، تربطها بسنوات سابقة وأسبق. تحكي عن الجامعة والتحرير والشهداء. تحكي عن نفسها، وتتأمل فعل الكتابة.
الكتاب ملىء بالمواقف الحزينة والمواقف المضحكة. يتنوع أسلوب الكاتبة فيه بين الأسلوب الجاد الرصين والأسلوب الساخر البسيط. كما يمتلئ الكتاب بأسماء الكثير من الأدباء والفنانين وغير المشاهير، تتحدث عنهم وتصف جوانبهم الإنسانية وعلاقتها بهم، وعلاقتهم جميعًا بالميدان والثورة. الكتاب، رغم كونه «مقاطع من سيرة ذاتية»، يمثل توثيقًا رائعًا لأحداث الثورة منذ بدايتها فى يناير 2011 أو قبلها بقليل (تحديدًا فى نوفمبر 2010) حتى مايو 2013، ملقيًا الضوء على جوانب عديدة لم يتعرض لها الكثير من المحللين السياسيين. الجد ديد فى الكتاب هو استخدام الدكتورة رضوى لأسلوب مخاطبة القارئة والقارئ بشكل مباشر طوال الكتاب، واستخدام المزاح فى مخاطبتها للقراء والسخرية مما كتبته هى نفسها فى هذا الفصل.
اسمه خالد – سيرة أحمد خالد توفيق
منذ وفاته في العام 2018، وبالرغم من حياته القصيرة نسبيًا (55 عامًا) ومشواره الأدبي الأقصر (25 عامًا)، ما زالت سيرة “خالد” حية. عائلته، مدرسته، صديقه المقرّب، حبه الأول، أزمته الروحية، مخاوفه ومباهجه، أفراحه وأحزانه، باختصار.. حياته وأدبه وإلهاماته. عن أحمد خالد توفيق الطفل والصبي والشاب نتحدث، وعن “خالد” سنحكي ونتقصى ونعرف: لماذا.. اسمه خالد؟
دفاتر سرية
“عُثر بين أوراق أنطون تشيخوف غير المنشورة على سلسلة من القصاصات داخل مغلّف يحمل هذه الكلمات: «موضوعات، أفكار، ملاحظات، شذرات»، ثم كشفت زوجته أولغا ليوناردوفنا كنيبر عن مفكرته التي كان يدوّن فيها مداخل منفصلة تتعلّق بأعماله المستقبلية وأحلامه والاقتباسات التي أحبها. أعاد تشيخوف نسخ هذه المتناثرات في دفتر آخر، بعد شطب ما أدرجه ضمن كتبه المطبوعة أثناء حياته، وقد أولاها اهتماماً خاصاً ولم يؤرّخها عموماً على غرار اليوميات المعهودة؛ إنه هنا يسجل إشارات تخصه وحده مبهمة بالنسبة للقارىء، أو أسماء غريبة أحياناً لن نعثر على أصحابها أبداً وقد يطلقها لاحقاً على شخصيات قصصه ومسرحياته ملتقطاً تفاصيل رسمها الأولية، كما يضع حوارات غير مكتملة وعناوين مسرحيات لم يكتبها (قشر الليمون، الخفاش، المطر الذهبي).في هذه الأوراق التي تغطي أعوامه الاثني عشر الأخيرة (1892-1904)، كثيراً ما يختزل تشيخوف اسم الشخص في حرف أو اثنين كي يشير إلى حكايات متنوعة، ساخرة وقصيرة، واقعية ومخترعة. نراه بدفء لطافته وفطنته يقترح على الشبان كتابة مقالات من قبيل (تورغينيف والنمور)، ويلمّحُ إلى ما يسترعي انتباهه في مشهد عابر: ثرثرة تتناهى إليه في قطار أو مطعم، شخص يصادفه خلال إحدى السهرات، زلات اللسان والهفوات وأخطاء الفهم والتلاعب بمعاني المفردات… وكل ما قد يستوقف بصيرته في المسرح والطب والتعليم والصحافة ودقائق الحياة اليومية.
هذا هو الجانب الخفي لدى كاتب كبير لم يكتبْ قطّ على مرأى من أحد.
حياة في الإدارة – غازي القصيبي
يُعتبر كتاب “حياة في الإدارة” من كتب السيرة الذاتية والمذكرات، الذي ألَّفه الدبلوماسي السعودي غازي القصيبي، واحدا من أهم الكتب الكلاسيكية الإدارية في المكتبة العربية ومحل ترشيح دائم بين أوساط الإداريين العرب. غازي القصيبي هو أديب وشاعر وروائي ودبلوماسي سعودي، شغل العديد من المناصب في مؤسسات مختلفة منذ أن كان موظفا صغيرا حتى انتهى به الحال إلى استلام حقائب وزارية كبيرة في الحكومة السعودية.
بلغة جزلة سهلة، يُركِّز القصيبي على محطات إدارية في حياته الوظيفية بشقَّيْها الدبلوماسي والوزاري، ويُسلِّط الضوء على العديد من المواقف المختلفة في مواجهة البيروقراطية الإدارية والترهُّل وقلة الكفاءة والفساد الإداري والمؤسسي في العديد من المناصب التي شغلها، ويُلقي الضوء على العديد من المواقف التي وجب فيها اتخاذ قرارات إدارية حاسمة، والآليات التي اتخذها لإدارة الفِرَق وتحسين أدائها وتقييمه.
سيرة ستيف جوبز
لم يمضِ أسبوعان على وفاة ستيف جوبز في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2011 إلا وصدرت السيرة الذاتية الرسمية له في نهاية الشهر نفسه على يد الكاتب الصحفي المخضرم والتر إيزاكسون الذي نال شهرة كبيرة في كتابة السير الذاتية للشخصيات الأكثر أهمية في التاريخ، مثل بنجامين فرانكلين وألبرت أينشتاين. على مدار عامين، أجرى إيزاكسون 40 مقابلة شخصية مع ستيف جوبز -الذي كان يعاني في المراحل النهائية لمرض السرطان- بخلاف مقابلات مع أكثر من 100 شخص من أفراد عائلة جوبز وأصدقائه وموظفيه، وحتى من خصومه ومنافسيه.
يُعتبر هذا الكتاب، المؤلَّف من 42 فصلا، وتُرجم إلى كل لغات العالم بما فيها اللغة العربية، أكثر كتب السير الذاتية مصداقية حول حياة جوبز. فمن ناحية، كان المصدر الأساسي للحكاية هو جوبز نفسه، ومن ناحية أخرى، فإنه لم يتدخَّل في توجيه محتوى السيرة أو تغيير الحقائق الواردة فيها. لذلك، فإنها تعج بالكثير من المواقف التي تدين تصرفات جوبز الشخصية، وتُظهره بشكل غير مثالي تحديدا فيما يخص طباعه الحادة وردود أفعاله العنيفة، سواء بإقراره هو أو باعترافات المحيطين به.
رأيت رام الله.. مريد البرغوثي
سيرة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي التي كتبها بشاعرية عالية فحازت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي. ورصد مريد في هذه الرواية رحلة العودة إلى موطنه بعد ثلاثين عاماً من الغربة. وقال عنها ادوارد سعيد في تقديمه لها: «إن عظمة وقوة وطزاجة كتاب البرغوثي تكمن في أنه يسجل بشكل دقيق موجع هذا المزيج من مشاعر السعادة، والأسف، والحزن، والدهشة».
ختامًا، كتب السيرة الذاتية والمذكرات تمثل نافذة مميزة على حياة وتجارب الآخرين، وتمنحنا فرصة للاستفادة من دروسهم وإنجازاتهم وتحدياتهم. سواء كانت سيرًا ذاتية لشخصيات شهيرة أو مذكرات لأفراد عاشوا تجارب مؤثرة، فهي تظل مصدر إلهام وتحفيز. قراءة هذه الكتب تساعدنا على استكشاف أعمق جوانب الإنسان وتوسيع آفاقنا نحو فهم أعمق للحياة بمختلف تجلياتها.