تبدأ رواية “أيام الشمس المشرقة” بانتحار جمال، الشاب الممزق الهوية، وتنتهي مع انتحار ميمي الفتاة الإفريقية الناجية من مذبحة عرقية في بلادها، وما بين الحادث الأول والمشهد الأخير تدور أحداث الرواية في بلدة صغيرة متخيلة تُسمى “الشمس المشرقة”، التي تقع على الحدود الجنوبية الغربية لأمريكا، وتشهد سواحلها بشكل يومي عمليات تهريب العمّال والمهاجرين غير الشرعيين. تسلط الرواية الضوء على فئة مهمشة يظن الجميع، على عكس الواقع، أنها الفئة الناجية، وتمنح لهؤلاء المهمشين في المجتمع الغربي صوتاً، وتحفر عميقاً في أسئلة تخصهم. “أيام الشمس المشرقة” نموذج مثالي لتيهة الهجرة، لكنها، قبل كل شيء، رؤية الغريب التي تتمتع بالتمرد على الواقع الجديد، مع ذلك يخلق أسلوباً للتكيف مع قسوته.
اقتباسات من رواية أيام الشمس المشرقة
أحب “أحمد الوكيل” في بيت أم “حنان” تلك الأشياء التي لم يرَها من قبل في بيته، الطراوة التي تنبعث من الجدران الطينية، الأغاني التي تصدح من الراديو الترانزستور، دقات الماكينة، الستارة التي قسمت الباحة بألوان الورد المتداخلة، المساء الذي تهبُّ نسماته حين تستلقي أم “حنان” على بطنها وتشتكي من ظهرها الذي يوجعها وتقول له: “اتَّكى يا ولد. ظهري اتقطم من قعدة الماكينة”، يتحسس بيديه قناة ظهرها، بينما تنشغل “زينب” بتدليك قدميها، يحب “أحمد الوكيل” دور الفتى الطيب المخلص، وتحب ابتسامته التي تفضح هواجسه بها، يستعرض أمامهُما ما تعلمه، ويعلم أن ترتيل بعض السور القرآنية سيعيد صورته التي يريد للعالم أن يستقبله بها، الفتى اليتيم الأمين، الذي يستحق الشفقة وربما المحبة والتقدير، يختار لها الآيات القرآنية التي تهز قلبها ..
❞ وتعتقد “نجوى” بشكل عام أن الجميع قد ألقى بالكثير من جثث الموتى والأحياء من ذاكرته، ألقى بهم في محطةٍ ما في لحظةٍ ما، وأن كُلًّا منهم بشكلٍ أو آخر يحمل تلك الذنوب التي لا يستطيع أن يغفرها لنفسه، كان الشيء الوحيد الذي يخفف تلك الذنوب في تلك الأرض، هو إدراك الجميع العميق بالخيبة، وأنهم لم ينجوا أيضًا بشكلٍ ما ❝
❞ تبدو تلك الأرض التي أُجبرت لسبب ما على تركها خلفك دائمًا جميلة وبعيدة وعصيَّة على الاستعادة، تصبح زمنًا مقدسًا، أو حُلمًا رومانتيكيًّا لا يمكن تعويضه أو تجاوزه في ذاكرتك. ❝
بعض الأمهات أطفالهن وتهرب مع الغرباء، يضجُّ الرجال بحياتهم فيتسللون إلى الجبال، ويكبر الأطفال ولا يجدون في تلك الأرض ما يبحثون عنه فيرحلون إلى الشمال، لا يكترث أحد لغياب أحد في النهاية، يتساءل البعض أحيانًا لكنهم يدركون أن الغياب سُنَّة
المُسَافر، اشْترِ الورد لعلَّك تُقَابل في الطريق مَن يَستحقُّه».
“أحمد الوكيل” في طقوس الحزن ما يلائم مزاجه، صار مشهد السير خلف الجنازات ورائحة القبور وهي تفتح أبوابها، ولحظات الترمُّل والانفجارات بالبكاء طقسًا محببًا إليه، يقترب من تلك الكتل البشرية السوداء والتي تتجمع مساء كل خميس في المقابر، ويشرد خلف
والحكي عن تلك البلاد البعيدة والقرى الصغيرة التي تركها خلفه، يحكي عن طفولته وأم حنان وأمه، أيقنت “نعم” أن قلبه قد سقط في تلك الهوَّة التي تُسمَّى البوح والفضفضة، وأنه قادم لا محالة إلى حيث أعدت العدة لاستقباله.
“كانت تملك قدرة على الصمت المطلق، الصمت الذي يستمر لأيام، وحين تفتح فمها فلابد أن يكون لأسباب قاهرة”.
بعد أن تأكد للجميع أن إطلاق النار صار جزءًا من الحياة في تلك الأرض، جزءًا من تقاليد التعبير عن الغضب والسَّأم، ذلك الغضب الذي يتفجر فجأة، ويسفر عن ذاته في شكل فاجعة لا يمكن محوها
ورغم روائح الماء الراكد فما زال سكان “الشمس المشرقة” يحتفلون بامتلاء هذه البحيرة ونضوبها باعتباره أحد طقوس التجدُّد وتغيُّر الفصول، ويعتقد البعض أن تلك البحيرات تلطف حَرَّ الصيف القائظ، وأن الطبيعة لم تحرمهم من بعض المناظر الطبيعية